الصداقة والأصدقاء 6 'وما (يختلفان) في كبير'
وما يُعذَّبان في كبير! منهج في التوازن، وفي تقدير الأمور حقَّ قدرها. إنَّ النصَّ ـ في حقيقته ـ يُحذِّر من تهوين الأمور، وتبسيطها إلى الدرجة التي يترتب عليها خطأ أو تقصير. والحقيقة أنَّ فساد الحياة، وخراب العلاقات دائر بين عقلين؛ عقلٍ يُعقد، وآخر يُبسط. يُريد النصُّ أن يقول: عندما يتعلق الأمر بغيرك فلست وحدك من يقرر بساطة الأمور، وليس بيدك وحدك تحديد الأمور الثقيلة أو القوية.
بقلم إبراهيم العسعس
هل تذكرون قولَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في القبرين اللذين مرَّ بهما؟ أظنكم تذكرون، فهو حديثٌ مشهور لا يغيب عن أمثالكم، لكن لا بأس من تذكير الناسي والغافل، قال صلى الله عليه وسلم: "إنَّهما يُعذَّبان، وما يُعذَّبان في كبير! أمَّا أحدُهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستنزه من بوله"! ومن العنوان تعلمون أنني لا أريدُ أنْ أشرح لحضراتكم عن أحكام النميمة، أو أحكام الطهارة، بل سأكتفي بالوقوف عند قوله صلى الله عليه وسلم: وما يُعذبان في كبير!
وما يُعذَّبان في كبير! ولقد يظنُّ كثيرٌ ممن يقرأ الحديث ـ بادي الرأي ـ أنَّ هذين الذنبين ليسا كبيرين! أخذاً بظاهر الحديث! وليس الأمر كذلك! وهل يُعقل أنَّ إفساد العلاقة بين الناس، وتقطيع أواصر المجتمع، ليس كبيراً؟ أم تُراه يستوي في عقل العاقل أنَّ إفساد العبادة ليس كبيراً؟! بل هما كبيران، وكبيران جداً، مُفسدان للدنيا والدين، فماذا بقي؟ يقصد المعلم صلواتُ ربي وسلامه عليه أنَّه لم يكن من الصعب على المسلم ألا يقع فيهما، بل من السهل تجنبهما، فهما ليسا من الأعمال التي يُبتلى الإنسان بالتعلق بهما .
وما يُعذَّبان في كبير! ـ وبعد الإشارة إلى المعنى المقصود منها ـ منهج في التوازن، وفي تقدير الأمور حقَّ قدرها. إنَّ النصَّ ـ في حقيقته ـ يُحذِّر من تهوين الأمور، وتبسيطها إلى الدرجة التي يترتب عليها خطأ أو تقصير. والحقيقة أنَّ فساد الحياة، وخراب العلاقات دائر بين عقلين؛ عقلٍ يُعقد، وآخر يُبسط. يُريد النصُّ أن يقول: عندما يتعلق الأمر بغيرك فلست وحدك من يقرر بساطة الأمور، وليس بيدك وحدك تحديد الأمور الثقيلة أو القوية.
ويريد النصُّ أن يقول: إنَّ المداومة على الأمور البسيطة دون استدراك يجعلها عظيمة تستوجبُ غضبَ الآخر المَعنيِّ بالأمر. لستَ وحدك مقياس السهولة والقوة.
ونحن من أجل الصداقة، أو أي علاقة، أبدلنا كلمةً مكان كلمة، وضعنا "يختلفان" مكان "يعذبان"، ملاحظةً منَّا للمنهج الذي يُريد النصُّ توصيله.
وما يختلفان في كبير! كم من العلاقات تـفككت عُراها بسبب توافه الأمور؟ وهذا هو موضوع حلقتنا اليوم: أيها الأصدقاء، بل يا كلَّ علاقةٍ مهما كان شكلها، احذروا الأشياء التافهة. ليست عظائم الأمور هي التي تَحْـلِقُ العلاقة، خاصةً عندما تكون العلاقة قوية، إنَّها الأشياء التافهة التي تتراكم. ألم ترَ إلى نقطة الماء كيف تُـؤثر في الصخرة الصمَّاء؟! لكنَّها إن استمرت في ضرب نفس النقطة فلا شكَّ أنها ستحفر الصخرة، وقد تـفلقها ولو بعد زمن.
ولا مانع من سَوق مثالٍ اعتاد أهلُ الإدارة من ضربه تدليلاً على خطورة ما لا ننتبه له، كيف أنه يؤدي بالعلاقة إلى الانتهاء، مهما كانت قوية! وهو مثال يصلح لكل علاقة؛ فقد انفصل الزوجان السعيدان! بعد عشر سنوات سعيدة!! لماذا؟! سيتبين لمن يُدقق أنَّها الأشياء التافهة المتراكمة التي لا ننتبه لها! فقد اعتاد الزوج أن يُنزه كلبَه حول البيت، وقد كان الكلب يُوسِّخ ساحة المنزل، وكانت الزوجة تنبه زوجها، في البداية كانت تقول: لا تترك الكلب يوسخ الساحة يا حبيبي.
ولكن بقي الأمر على ما هو عليه! مع استمرار التنبيه، ثم تحول الرجاء أخيراً: طلقني يا حبيبي!! وفي المقابل كانت الزوجة تترك أنبوبة معجون الأسنان مفتوحاً! وكان الزوج يُنبه زوجته: أرجوك يا حبيبتي، أغلقي المعجون! لكن استمر الحال على ما هو عليه، ثم تحول الرجاء إلى: هذا فراقُ بيني وبينك! لو نظر أحدُهم إلى هذه النتيجة بعيداً عن سياقها، فسيتعجب من هذين الزوجين السخيفين! أمِن أجل الكلب ومعجون الأسنان يُخرَّبُ بيتٌ سعيد؟! لكن هذا هو شأن الأمور البسيطة إذا تراكمت، فستهدم أقوى العلاقات.
حاول أن تعرف ما يزعج صديقك من الأمور التي تراها أنت تافهة! وتأكد هل هي كذلك في نظر صاحبك؟ وتأكد أنها حتى لو كانت كذلك في نظره ألا تتكرر بشكل يؤدي إلى الضيق .. ثم إلى الانفجار.
انتبه ... عندما ينفجر صاحبك في وجهك في يوم من الأيام! لا تتساءل ببلاهة، مُصرَّاً على غفلتك: ولكن ماذا فعلتُ؟! إنَّه مُجرد أمرٍ تافه!!!
السبت مارس 19, 2016 12:41 pm من طرف المدير العام
» صراع! صراع صراع
السبت مارس 19, 2016 12:41 pm من طرف المدير العام
» أَنْقِذُوا (العَرَبِيّ)!
السبت مارس 19, 2016 12:39 pm من طرف المدير العام
» تسهيل النجاة
السبت مارس 19, 2016 12:39 pm من طرف المدير العام
» كيف نعيش الأزمة؟
السبت مارس 19, 2016 12:38 pm من طرف المدير العام
» جنايتتا على المؤسسات الخيريّة !
السبت مارس 19, 2016 12:36 pm من طرف المدير العام
» الاستغلاق المؤسسي..،!
السبت مارس 19, 2016 12:36 pm من طرف المدير العام
» داعية العناد وضراوة الاعتياد
السبت مارس 19, 2016 12:35 pm من طرف المدير العام
» الغلو يصنع القادة أم يصنع الطُغاة
السبت مارس 19, 2016 12:27 pm من طرف المدير العام