الصداقة والأصدقاء 10 'تعليم الصداقة'
كـثيرةٌ هي المفاهيم الإسلامية التي تـقـزَّمت في زوايـا مـحددة، ومنهـا مفهوم الأخلاق؛ فالأخلاقُ صـارت محصورةً في المدح بالسـلب؛ من مثل: لا يسرق، لا يكذب ـ وحتى هذا فهو محصور في صورة ضيقة من أنواع الكذب ـ، لا يزني!! أو هي محصورة في بعض السلوكات، التي لا تُمثِّـل المفهوم الحقـيقي والشامل للأخلاق.
بقلم إبراهيم العسعس
هنـا والـدٌ يستـعدُّ للافـتخار بولـده، وذكـرِ محاسنه، فانـتبه إليه جيداً، وأرْعِهِ سمعك ...
"ابني ـ وما أدراك ما ابني ـ ولدٌ مؤدب؛ ولا عجب فـقـد تعبتُ في تأديـبه وتعليمه، فهو لا يسرق، ولا يكذب، ولا يزني، وهو يشربُ الحليبَ يومياً، ويقوم بواجباته المدرسية بلا تقصير، وهو يصلي الخمسَ، ويصومُ رمضان، وهو لا يؤذي أحداً، وهو مع ذلك وبعد ذلك ينام باكراً، ويصحو مع الديك، والفضل لله والحمد لله أولاً وآخراً".
هذا نموذجٌ لمفهوم التربية لدينا، وقد انـتـقيتُ لحضراتـكم نموذجاً عالياً، مِمَّن يهتمُّ بتربية أولاده، ولا يألو جهداً في توجيههم. وهو مفهوم فـئةٍ كبيرة من المسلمين عن التربية، وعن الأخلاق.
كـثيرةٌ هي المفاهيم الإسلامية التي تـقـزَّمت في زوايـا مـحددة، ومنهـا مفهوم الأخلاق؛ فالأخلاقُ صـارت محصورةً في المدح بالسـلب؛ من مثل: لا يسرق، لا يكذب ـ وحتى هذا فهو محصور في صورة ضيقة من أنواع الكذب ـ، لا يزني!! أو هي محصورة في بعض السلوكات، التي لا تُمثِّـل المفهوم الحقـيقي والشامل للأخلاق.
لقد عرَّف العلماءُ علمَ الأخلاق بأنَّه "علم بأصولٍ يُعرف به حال النفس من حيث ماهيتها، وطبيعتها، وعلَّة وجودها، وفائدتها، وما هي وظيفتها التي تؤديها، وما الفائدة من وجودها، وعن سجاياها وأميالها، وما ينقلها بسبب التعاليم عن الحالة الفطرية" (مقدمة محقق تهذيب الأخلاق).
ولاحظ الفائدة المهمة في التعريف، وهي أن هدف هذا العلم نقل سلوك الإنسان من أن يكون غرائزياً إلى كونه مقصوداً، يصدر عن الإنسان بقرار ولهدف.
إن علم الأخلاق بهذه الأبعاد، هو أول علم نطقت به الملائكة، إذ إنهم عليهم السلام علموا أن ذهاب الأخلاق سبب الإفساد في الأرض، وسفك الدماء. وهذا يعني أن تعليم الناس أخلاق التعامل فيما بينهم، هو القانون الذي يعصم الأرض من الإفساد فيها.
إن غاية الخلق، وطبيعة الحياة التي أرادها الحكيم العزيز على الأرض، وفلسفة التكليف والابتلاء قائمة على المشاركة في المصالح الأرضية التي تستلزم المزاحمة والاختلاف، "وهي بلا شك تقتضي وجود صناعة ذات أصول وقواعد لتربية الأنفس بحيث تجعلها صالحة للبحث في أحوال الموجودات على وجه يضمن الاعتدال في الطلب، ويسير بكل نفس إلى ما أعـدت له، وتهيـأت إليه" (مقدمة محقق تهذيب الأخلاق).
فإن التزم الناس هذه الصناعة حصَّلوا لأنفسهم خُـلقاً "تصدر به عنهم الأفعال كلها جميلة، وتكون مع ذلك سهلة عليهم لا كلفة فيها ولا مشقة" (تهذيب الأخلاق: 3).
فإن تحقق هذا استقامت أمور الدين والدنيا، لأنه "باستقامة الدين تصحُّ العبادة، وبصلاح الدنيا تتمُّ السعادة" (أدب الدنيا والدين: 17). إن هذا العلم يُكسِب الإنسانَ المكارم التي يستحق بها أن يُحقق الخلافة في الأرض، بل وأن يستحق لقب الإنسانية.
ومن قضايا علم الأخلاق التي لا يُلتفتُ إليها: تعليم الصداقة! نعم فالصداقة عـلم، ينبغي أن يتربى عليه الإنسان. وإنِّي لأعجبُ ممَّن يُعلِّم ولـدَه كـيف يجلس، وكيف يأكل، وكيف يقضي حاجته، ويُعلِّمه الحساب والعلوم، "ولا يخطر بباله أمرُ المودة، وأحاديث الألفة، وما يحصل من الخيرات العامة لجميـع الناس بالمحبة والأنس، وأنه لا يستطيع أحدٌ من الناس أن يعيش بغير المودة، وإن مالت إليه الدنيا بجميع رغائبها" (تهذيب الأخلاق: 130).
إنَّ علم الصداقة هو العلم الذي يضبط العلاقة بين الأصدقاء؛ فيبين الحقوق والواجبات، وأصول المحبة، وحدود الصلة، وأدب اللقاء والفراق، وأصول الرضا والغضب، وحدودهما، ومتى يُقبل الصديق على صديقه ومتى يُحجم، وكيف يَعرفُ ويكشف إشارات الإنذار المبكر التي تكشف صديقه دون داعٍ لطول الصحبة، فإنَّ حقيقة الإنسان مخبوءة وراء أقوال وتصرفات بسيطة، ومن لم ينفعه ظـنُّـه، لم ينفـعه يقـينه.
للعلاقة بين الأصدقاء علم، مبنيٌّ على ثلاثة فروع: أولها: علم اكـتساب الأصدقاء.
ثانيها: علم المحافـظة عليهم. ثالثها: علم تركهم! وهذه الثالثة، ثالثة الأثافي! وثامنة العجائب! وعلى طريقة الأوائل أقول: إن مدَّ الخبير في العمر بينتها.
مشكلتنا العامة الكبرى أننا نعيش حياتنا بلا مـقاصد، وبلا دوافـع واضحة، إنَّما هي ـ بالنسبة لنا ـ أرحامٌ تـدفع، وأرضٌ تبلع، ونحن نعـدُّ الأيام، وغالباً لا نعد، وعلى رأي المثل الجـزائري (نأكل القـوت وننـتـظر الموت).
إنها الغرائز التي توجهنا. وهكذا فنحن نصادق لا عن وعي بمعرفة حـدِّ الصداقة، وبلا معرفة بكيفية إدارتها، وفي كل علاقاتنا تقودنا ردة الفعل الانطباعية، فعقلنا عقل إنطباعي، وعليه، فالناس عندنا ضاحك أو مُعبِـس، مُحسن أو مُسئ، جميل أو قبيح! علاقـاتٌ لا يقودها العقلُ، بل دوافعُ أخرى، قال صاحبي:
يُـحبُّ العاقـلونَ على الـتـصافي
وحُـبُّ الجـاهلـينَ عـلـى الوَسَـامِ
وصدق المتنبي، فيا أخي ألستَ قبل أن تسوق تـتعلم السواقة، أفلا تعلمت الصداقة قبل أن تتخذ صديقاً ؟! ويا أيها الآباء: عـلموا أبنـاءكم الرمـاية، والسبـاحة، وركـوب الخيل ... والصداقة. وسلام عليكم.
السبت مارس 19, 2016 12:41 pm من طرف المدير العام
» صراع! صراع صراع
السبت مارس 19, 2016 12:41 pm من طرف المدير العام
» أَنْقِذُوا (العَرَبِيّ)!
السبت مارس 19, 2016 12:39 pm من طرف المدير العام
» تسهيل النجاة
السبت مارس 19, 2016 12:39 pm من طرف المدير العام
» كيف نعيش الأزمة؟
السبت مارس 19, 2016 12:38 pm من طرف المدير العام
» جنايتتا على المؤسسات الخيريّة !
السبت مارس 19, 2016 12:36 pm من طرف المدير العام
» الاستغلاق المؤسسي..،!
السبت مارس 19, 2016 12:36 pm من طرف المدير العام
» داعية العناد وضراوة الاعتياد
السبت مارس 19, 2016 12:35 pm من طرف المدير العام
» الغلو يصنع القادة أم يصنع الطُغاة
السبت مارس 19, 2016 12:27 pm من طرف المدير العام