'الصداقة والأصدقاء' 11 'الإنذار المبكر'
كم يلزمُ أن تعيش مع صديقك لتعرف معدنه؛ أمن تِبْـرٍ هو أم من تِبْـن؟! أحيانا تستمر العلاقة أعواماً طوالاً، ثم نفاجأ: "لقد اكتشفتُ صديقي! بعد عشرين عاماً وجدتُه لا ينفع"! وبعضُنا تُفـتِّـتُ المفاجأةُ تماسُكَه، فيُصاب باليأس من كلِّ العلاقات، ويكفر بالصداقات، ويرى الحياةَ كلَّها سوداء. هل تلـزمنا ـ بالفعل ـ كلُّ هذه المدة كي نعرف الناسَ، ونفهم معادنَ الأصدقاء؟ كيف نتوقع، فنحتاط، فلا نـتحطم آخرَ المطاف، ولا نندب حظنا؟
بقلم إبراهيم العسعس
كم يلزمُ أن تعيش مع صديقك لتعرف معدنه؛ أمن تِبْـرٍ هو أم من تِبْـن؟!
أحيانا تستمر العلاقة أعواماً طوالاً، ثم نفاجأ: "لقد اكتشفتُ صديقي! بعد عشرين عاماً وجدتُه لا ينفع"! وبعضُنا تُفـتِّـتُ المفاجأةُ تماسُكَه، فيُصاب باليأس من كلِّ العلاقات، ويكفر بالصداقات، ويرى الحياةَ كلَّها سوداء. هل تلـزمنا ـ بالفعل ـ كلُّ هذه المدة كي نعرف الناسَ، ونفهم معادنَ الأصدقاء؟ كيف نتوقع، فنحتاط، فلا نـتحطم آخرَ المطاف، ولا نندب حظنا؟
من دفتر عليٍّ رضي الله عنه: أجابك عليٌّ رضي الله عنه بكلام هو عُصارة التجربة الإنسانية في العلاقات، مختصرة على لسان رجل مُلهم: "تكلموا تُعرفوا، فإن المرء مخبوءٌ تحت لسانه، وإذا تكلم ظهر".
يقولُ لك رضي الله عنه: لا يمكن إلاَّ أن يُظهر الإنسانُ نفسَه من كلامه، ومهما حاول أن يستتر خلف المُنظفات والتحسينات وأدوات التجميل فلن يستطيع ذلك طوال الوقت .
من دفتر زهير بن أبي سلمى: وزهيرٌ يقول لك:
ومهما تكُن عندَ امرئ من خليقةٍ *** وإنْ خالَها تخفى على الناس تُعلمِ
تُعلَم بعد التجربة؟ نعم، لكنَّ السعيدَ من كان يقظاً وعلم ما يُظهره الناسُ في فلتات الكلام قبل التجربة المُرَّة.
إنَّها (الإنذار المبكر)، تلك الكلماتُ التافهة ـ هكذا نظنُّ ـ، أو التصرفاتُ السخيفةُ التي لا نُلقي لها بالاً، ثمَّ إذا هي تَختصرُ كلَّ شخصية المُقابل؛ برغباتها، وعواطفها، وآلامها، وآمالها، ثمَّ... بعقدها، وأمراضها، ونواقصها. وتَـذكَّرْ ألمْ تقـل بعد تجربة ما: يا إلهي لقد قال مرَّةً كذا، إذن كان يعني ذلك؟!
من دفتر المتنبي: كلُّ ما تحتاجُ إليه هو النَّظرة الصادقة، والانتباه الدقيق، إنَّني أُعيذُ نظراتِـك الصادقةَ أن تَخدعَـك في التميـيز بين حقائق المنظورات، والأشخاصِ الذين يتظاهرون بالفضل وهم بُراءُ منه:
أُعِـيذُها نظراتٍ منكَ صادقةً *** أنْ تحسَبَ الشَّحمَ فيمن شحمُهُ ورَمُ
والشحمُ والورمُ مَثـَلٌ لما يتـشابه ظاهراً، مع أنَّ مضمون أحدِهما خير، والآخر قيح.
فإن لم تـنتفع (بالإنذار المبكر) الكاشف لحقيقة مَن أمامك، يعودُ المتنبي ليقول لك:
وما انتـفاعُ أخي الدنيا بِناظِرهِ *** إذا استَـوَتْ عِـندَهُ الأنوارُ والظُّـلَمُ
من دفـتر المذكرات: كان أحدُهم من الناشطين في الدعوة، المُجتهدين في التعلم، المُتفانين في الحركة، من خلال جهدِ مجموعةٍ من الشباب. ويوماً ما طالَ عليه المشوار، فقال: إنَّه لطريق طويلٌ إنْ بقينا على هذا المنوال، لا بُـدَّ من ربط أنفسنا بركبٍ كبيرٍ كي نصل... وكلمةُ (كي نصل) تحتملُ معانيَ كثيرة! يومها قال أحدُ الحكماء: صاحبُنا تاجرٌ يبحثُ عن موطئ قدم، حتى لو لزِمَ أنْ يضع رأسَه حيث يضعُ قدمَه فلا أخاله يُمانع! والآن وبعد سنوات، هذا المشار إليه على استعداد لكتابة أيِّ شيءٍ، وعمل أيِّ شيءٍ، مقابل أن يَلمَع، أو أن يقبض! إنَّه... (الإنذار المبكر).
في الموضوع نفسه: كان هناك فتاةٌ جميلةٌ، لكنَّها صمَّـاءُ، ولذلك فإنَّ شباب قريتها كانوا يتجنَّـبون خِطبتها، وذات يوم أرسل شابٌ من قرية أخرى لم يكن يعرف شيئاً عن صَمَمِها من يخطِبها له، وتمَّ الأمرُ.
وفي العرس، كان هناك جمعٌ غفيرٌ، ولم تكن العروس تريد أنْ يعرف عريسُها المخدوع أنَّها صمَّاء، على الأقل إلى أن ينتهي الأمرُ، ويتحقق تورطُ الرجل، فطلبت من صديقةٍ لها أن تجلس إلى جانبها، فإذا كان هناك ما يُـفرح قرصتها في كـتفها الأيسر، وأن تـقرصها في كتفها الأيمن إذا كان هناك ما يدعو إلى الحزن. وسار الأمرُ على ما يُرام بعض الوقت، كانت العروس تضحك حين كان يجب أن تضحك، وتغتم حين كان تغتم من حولها. لكنَّ صاحبتها نسيت فيما بعد ما اتفقـتـا عليه، فصارت تعكس محلَّ القرصة! صارت العروس تقهقه في أوقات الحزن، وتئن وتتنهد أسىً حين كان الفرح يعم الجميع! أخذ الشاب يتفرَّسُ في عروسه، ويتتبع حركاتها، وأخيرا قرر أن عروسه غبية، فأعادها حالاً من حيث أتت.
وهكذا يجب على الإنسان العاقل أن يتفرس فيمن حوله، ويدقق في الإنذارات المبكرة التي تتفلتُ من أقوالهم وأفعالهم، ولا ضرورة ليصدر عن صديقه ما يقلع عينيه كي ينتبه، تكفيه المؤشرات، أليس كذلك؟
ويمكن أن نقول: هل يحتاج الإنسانُ الحقيقي لمن يقرصه ويُؤلمه من اليمين تارة، ومن اليسار تارة كتلك العروس الصماء كي يدرك ويفهم؟! إنَّه ليس بحاجة لمن يَـقرصه، ولا لِمن يقرص له، فلن ينفعه إلا وعيه هو، وقراره هو.
وقد يقول قائلٌ، فهل يكفي إنذارٌ واحد لأترك صديقي؟!
وأقول: المسألة ليست بهذه الحدية، ولا بهذه السطحية، والأمر متروك لتقديرك للحالة، ولظرف المقابل، وما نحن في هذه المقالات إلا خاطين للإطار العام، والمبادئ الكلية، ولك من بعدُ حريةُ التحرك داخل ذلك الإطار.
من دفتر المذكرات: تطبيق على ما سبق:
قال لي أحدُ الحكماء: كان لي صديقٌ حبيب، هو مني كالواحد المتكرر، وعلى طريقة الصوفية هو أنا، وأنا هو، كان إذا تحدث في الفكر والعلم، قالوا له: كأنك فلان ! قبل سنوات ـ وفي موقفٍ ما ـ عجز عن شكر من وجب عليه شكره، فأقـلقني هذا التصرف منه، فأوجست في نفسي خيفة، وقلتُ: إن كان هذا طبعه فهي الحالقة، لا أقول التي تحلق الشعر بل التي تحلق الصداقة وآدابها، ورانت على قلبي منه نكتةٌ سوداء، وبقيتُ على حذر منه، أتوجس خيفةً، متى سيضرب ضربته! ... ولكنَّ الرجل حبيبٌ، وله من الحسنات الكثير، ويصدر عنه ما يدلُّ على أنَّ ما أشرت إليه كأنها فلتةٌ وقى اللهُ مضاعفاتِها، وأنَّها ليست له خُلقاً، والحمد لله أن حفظ لي صاحبي.
قلتُ: وهذا تصديق ما قلته لك أن المسألة ليست ضربة لازب، وإنما الأمر متروك لقرار الموقف. والحمد لله الذي جعل الصديقَ من نِعَم الحياة، وجعل التزامَ آدابِ الصداقةِ من عبادات الدنيا. والسلام على الصديق الصدوق.
السبت مارس 19, 2016 12:41 pm من طرف المدير العام
» صراع! صراع صراع
السبت مارس 19, 2016 12:41 pm من طرف المدير العام
» أَنْقِذُوا (العَرَبِيّ)!
السبت مارس 19, 2016 12:39 pm من طرف المدير العام
» تسهيل النجاة
السبت مارس 19, 2016 12:39 pm من طرف المدير العام
» كيف نعيش الأزمة؟
السبت مارس 19, 2016 12:38 pm من طرف المدير العام
» جنايتتا على المؤسسات الخيريّة !
السبت مارس 19, 2016 12:36 pm من طرف المدير العام
» الاستغلاق المؤسسي..،!
السبت مارس 19, 2016 12:36 pm من طرف المدير العام
» داعية العناد وضراوة الاعتياد
السبت مارس 19, 2016 12:35 pm من طرف المدير العام
» الغلو يصنع القادة أم يصنع الطُغاة
السبت مارس 19, 2016 12:27 pm من طرف المدير العام