بسم الله و الصلاة و السلام على رسول الله .. و بعد
الحر من راعى وداد لحظة ...
قال الإمام الشافعي رحمه الله: الحر من راعى وداد لحظة أو انتمى لمن أفاده لفظة..
إن من اشد ما يلقى الإنسان في حياته تنكر من حوله للصحبة و كفرهم بعشرة طويلة و انقلابهم على أيام وديعة و لحظات سعيدة.. نعم كم هو قاس أن يتنكر لك من بذلت له أيامك و سنواتك و أعطيته نضارة شبابك ثم ما يلبث أن ينقلب عليك بكل جرأة ووقاحة متنكرا لكل ذلك بل و جاحدا لكل لحظة ود عشتها معه بل غير آبه بالجروح التي خلفتها خناجر غدره و خيانته.
إننا نعيش في زمن صار اللؤم طبعه الأول و التنكر حال أهله و لا ندري أتغيرت الطباع أم تبدلت الأخلاق أم انقلبت المقاييس أم رحلت عن دنيانا القيم أم اغتالت الماديات كل الفضائل و المحامد .. حتى أصبنا في مقتل الوفاء و الإخاء
فكم غدر بنا من ظننا يوما أن الحياة من دونه تيه و ظلام و كم خذلنا من حسبناه يوما شقنا الثاني و توأم روحنا الصافي و كم خيب أملنا من اعتقدنا يوما انه نحن و نحن هو.. كم خذلنا هؤلاء بعد عشرة طويلة و ذكريات جميلة و أيام سعيدة و أسفار ممتعة.
فكم من والد علم ابنه و رعاه و سانده في مراحل عمره كلها حتى صار من كوادر المجتمع لكنه بعد أن كبر و اشتد عوده تنكر له و صرخ في وجهه بكل سفاهة الفضل لإرادتي و ذكائي هكذا بكل بساطة ..ثم ارتحل و ترك دموع الحسرة على خد والده المسكين المكلوم من تقلب الزمان و تنكر الولدان
و كم من أم ترملت أو طلقت و قد تعلق بها أولادها فأبت الزواج حرصا على لم شملهم و تربيتهم على عينيها و قد عزمت أن توفر لهم كل مقومات النجاح و الفلاح في حياتهم فربتهم و سهرت على راحتهم و تعبت لأجلهم..بل لعلها عملت خادمة في بيوت الناس و هي التي كانت قادرة على أن تتزوج و يؤتى لها بمن تخدمها لكنها الأم.. الأم المشفقة الأم الحنونة حتى إذا صاروا كبارا و قوي عودهم و فازوا بمناصب اجتماعية تنكروا لها و انفضوا من حولها و تركوها غارقة في بحر من الأحزان و هي التي ضيعت زهرة شبابها لأجلهم فجازوها بالنكران و الجحود و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم.
و كم من أستاذ ربى و علم و نصح و ارشد فلما دار الزمن دورته و كبر الأستاذ و تقاعد و تصادف أن التقى به تلاميذ الأمس ضحكوا من انحناء ظهره و شيب شعره و تهامسوا بالسوء و قهقهوا و ما رعوه حق قدره حتى إذا اقترب منهم أشاحوا عنه بوجوههم كأنه لم يعرفهم و لم يعرفوه فأي سفالة هذه التي تجرح من كاد أن يكون رسولا.
و كم من زوجة وفية عانت لافتقار زوجها فصبرت على ذلك و حرمت نفسها من متع الدنيا الحلال وان ساءت حاله اكثر تحملت ضعفه و مرضه فلما قوي و اغتنى تنكر لها و تغير حاله معها و لعله طردها بعد أن طلقها و لم يرع تلك الأيام التي وقفت فيها إلى جانبه في الشدة و الضراء و البلاء فتركها في صدمة نفسية لا يخرجها منها إلا لطف الله بها فأين الود و العرفان أم صار النكران هو الديدن.. و قد قال تعالى " و لا تنسوا الفضل بينكم" البقرة.
و كم من زوج جعل زوجته تاج رأسه و أميرة بيته و رعاها حق الرعاية و صان عرضها و حمى شرفها و أحسن إليها كل الإحسان لكنها كفرت بالعشرة و قالت ‘‘ما رأيت منك خيرا قط'‘ فأي تنكر هذا و أي ظلم بعد هذا الظلم.
و كم من شيخ درس و شرح و فصل و فسر لطلبته فلما كبر الواحد فيهم و ظن أنه قد تعلم تنكر لشيخه و لعله سفهه و عيره بالقصور و الجهل و قلة العلم و لا حول و لا قوة إلا بالله فاعتزل الشيخ مكلوما بجراحه ممن ظنهم أولياء الله في صغرهم فأين الود و العرفان أم أن الجحود صار دينا في هذا الزمان.
و كم من فتاة قضت نصف عمرها وفية لمعاني الصداقة مع صديقتها الوحيدة فكانت تسهر معها الليالي في مذاكرة الامتحانات و كم ساندتها في محن مرت فكانت تحزن لحزنها و تبكي لبكائها.. و كانت شمس نهارها و بدر ظلمتها و الأخت التي لم تلدها أمها و كم فرحت لفرحها فأهدتها أغلى الهدايا و لكن هذه الصداقة تحولت إلى كابوس بعد أن تزوجت صديقتها و تنكرت لها و ارتحلت عنها فان رأتها في عرس أو قرح أشاحت عنها بوجهها فكأنها لم ترها و لم تعرفها ..فانزوت الفتاة في زاوية تبكي الأيام و غدر الصديقة الناكرة كيف لا و قد طعنتها غيلة و غدرا في ظهر صداقتها .
و كم من أخ تيتم إخوته فترك دراسته و تفرغ للعمل لإعالة إخوته و تربيتهم مخافة أن ينحرفوا لكنه لما كبروا تغيروا و تنكروا له بل لربما طالبوه بالرحيل عنهم و طردوه شر طردة فإذا هو كالمجنون لا يعي ما حدث له و هو الذي أبى الزواج و أبى أن يعيش شبابه من اجلهم وانفق كل ماله عليهم و الله المستعان.
و كم من ضال كان تائها في طرقات الغواية و الضلال فسخر الله له صديقا أو أخا اخذ بيديه إلى طريق الإيمان لكنه تغير و ظن انه قد وصل فهجر أخاه و سفهه بل حتى السلام عنه قد قطعه فيا له من موقف تهد منه الأبدان في زمن التنكر للخلان.
أيها الأحبة إن الحر الأصيل ليأنف أن يسقط في سفالة النكران و مهاوي الجحود لأنها ذلك من طباع اللئام و خصال أهل النفاق و طبائع القلوب المريضة و الحر يأبى أن يتلبس بصفة الجحود لان من كانت تلك صفاته كان اكفر بنعمة الله تعالى و كان ذلك مدعاة لغضب الرب تبارك و تعالى قال ابن الأثير في النهاية : (من كانت عادته و طبعه كفران نعمة الناس وترك شكره لهم ، كان من عادته كفر نعمة الله عز و جل و ترك الشكر له ).
اللهم ارزقنا الوفاء و باعد بيننا و بين الجفاء كما باعدت بين الأرض و السماء و صلى الله و سلم على سيدنا محمد خاتم الرسل و الانبياء.
و السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
كتبه أخوكم محمد أمين الوغليسي
السبت 22 شعبان1432 الموافق ل23 جويلية 2011
يتبع
السبت مارس 19, 2016 12:41 pm من طرف المدير العام
» صراع! صراع صراع
السبت مارس 19, 2016 12:41 pm من طرف المدير العام
» أَنْقِذُوا (العَرَبِيّ)!
السبت مارس 19, 2016 12:39 pm من طرف المدير العام
» تسهيل النجاة
السبت مارس 19, 2016 12:39 pm من طرف المدير العام
» كيف نعيش الأزمة؟
السبت مارس 19, 2016 12:38 pm من طرف المدير العام
» جنايتتا على المؤسسات الخيريّة !
السبت مارس 19, 2016 12:36 pm من طرف المدير العام
» الاستغلاق المؤسسي..،!
السبت مارس 19, 2016 12:36 pm من طرف المدير العام
» داعية العناد وضراوة الاعتياد
السبت مارس 19, 2016 12:35 pm من طرف المدير العام
» الغلو يصنع القادة أم يصنع الطُغاة
السبت مارس 19, 2016 12:27 pm من طرف المدير العام