منتدى الإسلام

أخي/ أختي الزائر (ة)..

نشكر لك زيارة منتدى الاسلام، و نأمل انك وجدت فيه الفائدة و المتعة التى ترجو.

نتشرف بانضمامك الى مجموعتنا عضوا مميزا،و أخا فاعلا..

تفضل بالتسجيل معنا
صلى على رسول الله..

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدى الإسلام

أخي/ أختي الزائر (ة)..

نشكر لك زيارة منتدى الاسلام، و نأمل انك وجدت فيه الفائدة و المتعة التى ترجو.

نتشرف بانضمامك الى مجموعتنا عضوا مميزا،و أخا فاعلا..

تفضل بالتسجيل معنا
صلى على رسول الله..

منتدى الإسلام

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى الإسلام..إسلامنا نور يضيئ دربنا..

من هنا نبدا و في الجنة نلتقي
سبحان الله و بحمد سبحان الله العظيم
اللهم صل على رسول الله
لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين
استغفر الله العظيم و اتوب اليه
لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك و له الحمد و هو على كل شيء قدير
الله الله ربي لا شريك له
سبحان الله و بحمده سبحان الله العظيم
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
اللهم اجمع كلمة المسلمين   اللهم وحد صفوفهم  اللهم خذ بأيديهم إلى ما تحبه وترضاه  اللهم أخرجهم من الظلمات إلى النور  اللهم أرهم الحق حقاً وارزقهم اتباعه، وأرهم الباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه اللهم بعلمك الغيب وبقدرتك على الخلق أحينا ما كانت الحياة خيرا لنا  وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا  اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة  ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا  ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك  والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة  ولا فتنة مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين

المواضيع الأخيرة

» يجب ألا يموت الأمل!
مفهوما "التقدم " و"التأخر " عبر تاريخ الحضارات الإنسانية : Icon_minitime1السبت مارس 19, 2016 12:41 pm من طرف المدير العام

» صراع! صراع صراع
مفهوما "التقدم " و"التأخر " عبر تاريخ الحضارات الإنسانية : Icon_minitime1السبت مارس 19, 2016 12:41 pm من طرف المدير العام

» أَنْقِذُوا (العَرَبِيّ)!
مفهوما "التقدم " و"التأخر " عبر تاريخ الحضارات الإنسانية : Icon_minitime1السبت مارس 19, 2016 12:39 pm من طرف المدير العام

» تسهيل النجاة
مفهوما "التقدم " و"التأخر " عبر تاريخ الحضارات الإنسانية : Icon_minitime1السبت مارس 19, 2016 12:39 pm من طرف المدير العام

» كيف نعيش الأزمة؟
مفهوما "التقدم " و"التأخر " عبر تاريخ الحضارات الإنسانية : Icon_minitime1السبت مارس 19, 2016 12:38 pm من طرف المدير العام

» جنايتتا على المؤسسات الخيريّة !
مفهوما "التقدم " و"التأخر " عبر تاريخ الحضارات الإنسانية : Icon_minitime1السبت مارس 19, 2016 12:36 pm من طرف المدير العام

» الاستغلاق المؤسسي..،!
مفهوما "التقدم " و"التأخر " عبر تاريخ الحضارات الإنسانية : Icon_minitime1السبت مارس 19, 2016 12:36 pm من طرف المدير العام

» داعية العناد وضراوة الاعتياد
مفهوما "التقدم " و"التأخر " عبر تاريخ الحضارات الإنسانية : Icon_minitime1السبت مارس 19, 2016 12:35 pm من طرف المدير العام

» الغلو يصنع القادة أم يصنع الطُغاة
مفهوما "التقدم " و"التأخر " عبر تاريخ الحضارات الإنسانية : Icon_minitime1السبت مارس 19, 2016 12:27 pm من طرف المدير العام


    مفهوما "التقدم " و"التأخر " عبر تاريخ الحضارات الإنسانية :

    الإمبراطورة
    الإمبراطورة
    مشرف منتدى إيماء الرحمن
    مشرف منتدى إيماء الرحمن


    تاريخ التسجيل : 07/04/2011
    عدد المساهمات : 263

    مفهوما "التقدم " و"التأخر " عبر تاريخ الحضارات الإنسانية : Empty مفهوما "التقدم " و"التأخر " عبر تاريخ الحضارات الإنسانية :

    مُساهمة من طرف الإمبراطورة الجمعة أبريل 22, 2011 4:32 pm



    احتل مفهوم التقدم التاريخي مكانة مميزة لدى مؤرخي وفلاسفة الحضارات في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر بحيث يمكن اعتبار حضوره والتركيز عليه بمثابة الرد على الأطروحة الدينية واللاهوتية التي تعتبر أن التاريخ إنما ينحدر باتجاه الأسوأ ابتداءً من لحظة الحضور أو التجلي الأولى المتمثلة في ظهور النبي المبشر الذي حمل الدعوة لينقذ البشرية من ضلالها وينير لها طريق الصواب ، بيد أن البشرية بعده نكصت على عقبيها واستمرت في تدهورها وانحدارها الذي لا يُعرف له قرار إلى يوم أن يرث الله الأرض ومن عليها .
    نلحظ مثل هذا التفكير في الأديان التوحيدية جميعها اليهودية والمسيحية والإسلام ، فالعالم وفقاً لكل دينٍ من هذه الأديان يحتفظ بالنظام والألق مع بدء ظهور الدين، غير أنه يصل إلى نقطةٍ بعد ذلك يبدأ عندها بالانحدار والانحطاط المتدرجين حتى نهاية الزمان .
    غير أن الأديان التوحيدية ليست وحدها من ابتكر مثل هذا النوع من الرؤية، بل إننا نجد أيضاً حضوراً قوياً لمثل هذه الأفكار في الحضارتين اليونانية والرومانية ، فالشاعر الإغريقي هوارس على سبيل المثال يعبّر بدقة : "الزمن يخفّض من قيمة العالم " وهكذا يُنظر إلى الزمن وكأنه عدو الإنسانية مما أشاع نوعاً من البديهية المتشائمة لدى المفكرين الإغريق، وقد تحولت لدى الأوربيين في القرون الوسطى بمثابة النظرية المرشدة فلسفياً ودينياً ولاهوتياً، ثم أصبحت بمثابة العقبة التي تقف أمام حضور نوعٍ جديد من التفكير يحضُّ على التقدم والعمل والازدهار، ولذلك أتت مقولة " التقدم الإنساني " بمثابة الردِّ المباشر والصريح على تلك الترسيمة المعيقة لحركة الإنسان، لقد أكد فرنسيس بيكون الذي يعود الفضل إليه في صياغة برنامج مجدد للفكر في التفكير الأوروبي عبر ( الأورغانون الجديد )،أكد أن الهدف الحقيقي للمعرفة تحسين الحياة الإنسانية، وزيادة سعادة الإنسان، وتخفيف معاناته، بل إن هذه الرؤية كانت بمثابة النجم الذي اهتدى به في جميع أعماله الفكرية، فالغرض المباشر لأعماله كان "تقدم سعادة الجنس البشري" (1)، وهو لذلك يهاجم القديم ويحطم قداسته التي سادت لدى معاصريه ومجايليه، ويعتبر أن اللاحقين سيبدعون ويسبقون المتقدمين بلا شك ، وأكثر من ذلك، فمع سيادة الفكر الإغريقي واليوناني وتحوله بمثابة المقدس والمرشد لأجياله، فاخر بيكون بكل اعتزاز أنه نَسي كلَّ ما تعلمه من الإغريقية وهو صبي ، لقد كان يشدد باستمرار أن الفكرة الملهمة في عمله كانت باستمرار القطيعة التامة والحادة مع الماضي ، وإقامة نظام لا يأخذ شيئاً من الأموات، وهو ما ألهم ديكارت صاحب أطروحة الشك المنهجي التي كثّفها في الكوجيتو ( أنا أفكر إذن أنا موجود ) إلى التأكيد في كتابه المعلّم ( مقالة في الطريقة) أن " مشروع العلم الشامل هو الذي يستطيع أن يسمو بطبيعتنا إلى أعلى درجات الكمال " (2).
    لقد حرر عمل بيكون وديكارت العلم والفلسفة من نير سلطة الإغريق، إذ مادام الناس يؤمنون إيماناً عقائدياً مطلقاً أن الإغريق والرومان قد بلغوا في أحسن أيام حضارتهم مستوى فكرياً لا يسع الأجيال القادمة أن تأمل في بلوغه، ومادام مفكروهم يُقدمون كمراجع لا يرقى إليها الشك، فإن نظرية الانحطاط قد بقيت تحتل الساحة، وتستبعد نظرية التقدم ، لكن نقدية بيكون وديكارت قد أشاعت حساً تمردياً في الفكر والفلسفة كان من شأنه أن ينتقل إلى الميادين الأخرى المتعددة . كان أول هذه الميادين هو الاعتراف الصريح بقيمة الحياة الدنيوية أو ما أصبح يُعرف بالدنيوة، عبر إخضاع المعرفة للحاجات الإنسانية، وهو ما أفرز روحاً علمانية للنهضة هيأت العالم المتحرر من سلطة الكنيسة ومكنته من صياغة مذهب المنفعة أو المصلحة الذي يُعنى بسعادة الإنسان أولاً وأخيراً . يمكن القول إذاً أن الصراع بين مفهومي أو بالأحرى نظريتيي ورؤيتيي الانحطاط والتقدم قد اختزل جوهر الحراك الفكري في عصر الأنوار الأوروبي فأصحاب مذهب التقدم كانوا يواجهون أصحاب نظرية الانحطاط بالأسئلة التالية :
    هل يستطيع رجال اليوم أن يتباروا الند للند مع مشاهير القدماء، أم أنهم أدنى منهم فكرياً ؟ وهذا السؤال نفسه كان يتضمن قضية أكبر وهي :
    هل استنفدت الطبيعة قواها ؟
    هل أصبحت عاجزة عن خلق رجال يضاهون في العقل والقوة أولئك الذين خلقتهم ذات يوم ؟ هل أصيبت الإنسانية بالإرهاق أم أن قواها دائمة ولا ينضب معينها ؟ (3) .
    لقد كانت هذه الأسئلة بمثابة الحجج الضمنية التي دافع بها المحدثون أصحاب نظرية التقدم عن رؤيتهم ، فأسئلتهم تلك كانت النقيض المباشر لنظرية الانحطاط التي ولّد الرفض لها من غير شك نظرية التقدم الإنساني كما ذكرنا أكثر من مرة .
    لقد أصبح الفكر الأوروبي في العصر الوسيط أسير الفكر الأرسطي وأصبح مكبلاً بمقولاته و مفاهيمه ، حتى أصبح الإعجاب المفرط باليونان عائقاً رئيسياً أمام التقدم الأوروبي ، لدرجة أن مفكري العصر الوسيط الأوربيين نسبوا الحقيقة كاملة لأرسطو وراحوا يبحثون عنها في كتاباته المبهمة وعبر تأويلاتٍ متعددة لا نهاية لها بدل أن يحاولوا أن يجهدوا لتأسيس منهج جديد في النظر ، و هو ما لعبت كتابات ابن رشد المترجمة و التي أصبحت تعرف لدى الأوربيين (بالرشدية اللاتين ) دوراً بارزاً في تحطيم الأسطورة الأرسطية التي سادت لدى الأوربيين .
    لكن فكرة التقدم نفسها التي بررت نفسها بأن الإنسانية تختزن في كل عصرٍ من عصورها خلاصة الثقافات و الحضارات التي سبقتها وقعت في فخ تأليه ذاتها ، فإذا كان فونتيل أول من صاغ فكرة تقدم المعرفة كمذهب كامل(4) فإن شيوعها ارتبط بعددٍ من العوامل الاقتصادية و السياسية و الثقافية و حتى الاستعمارية و العسكرية فتعميم مبدأ العلم و تحويله إلى قوة حية في المجتمعات الأوربية جعل لنتائج الاكتشافات الصناعية و العلمية المتتابعة رصيداً لا قرار له لدى الناس ، و أصبحت إنجازات الفيزياء أكبر دليل و مبرر لصحة اتجاه مفهوم التقدم، مما حول مفهوم التقدم نفسه في مخيلة الناس إلى عقيدة أيديولوجية جديدة بدأت تشق طريقها و يزداد معتنقوها إلى حد أنها أصبحت بمثابة الأيديولوجية الرسمية التي قامت عليها عددٌ من الدول الأوروبية في القرنين السابع عشر و الثامن عشر .
    وخلاصة هذه الأيديولوجيا كانت تقوم على أن الإنسانية خلافاً للفرد، تتألف من جميع العصور، فالفرد يعيش مرحلة شيخوخة ،أما الإنسانية فإنها لا تشيخ أبداً و هي لذلك تكسب دائماً بدلاً من أن تخسر ، أما عصر النضج فإنه يدوم إلى ما لا نهاية لأنه نضجٌ يتقدم من غير توقف . والأجيال اللاحقة ستكون دائماً متفوقة على الأجيال السابقة ، ذلك أن التقدم هو نتيجة طبيعية وضرورية لتكوين العقل الإنساني (5) .
    دور المركزية الغربية في تعميم المفهوم الغربي عن "التقدم " :
    مع اكتساح فكرة التقدم منافستها القائمة على نظرية الانحطاط، فإنها ستبثُّ انتصارها ذاك على كافة المجالات الإنسانية العلمية والصناعية والفلسفية والسياسية وسيصبح لها روادها المخلصون الذين دافعوا بحرارة وحماسٍ مفرطين عنها ، وإذا كانت هذه الفكرة قد تلقت ضرباتٍ موجعة على يد روسو وأتباعه الذين اعتبروا أن التطور الاجتماعي كان خطيئة جسيمة ، وأن الإنسان كلما ابتعد عن الحالة البدائية البسيطة أصبح أكثر تعاسة ، ولذلك فالحضارة بحسب روسو تتصف في جوهرها بالفساد ، برغم مقالة روسو تلك التي بدت كنقيض لفكرة التقدم فإنها لم تشهد رواجاً حقيقياً ، بحكم أن التطور والتقدم الصناعي والعلمي كان في ذلك الوقت يحقق نتائج باهرة للإنسان ، وكان يحصد نتائجها المواطن البسيط ذاته ، وهو ما جعل رؤية روسو المتشائمة تلك أشبه بنوستالوجيا شاعرية لم تحصد لها مناصرين على أرض الواقع.
    بل إن الفكرة الفلسفية ذاتها بدت حازمةً أمرها تماماً على النظر إلى الإنسانية وفق أفقها الواسع ، ففيخته كان أول فيلسوف حديث يُضفي الطابع الإنساني على الأخلاق ، فهو قد نبذ نبذاً كاملاً فكرة التصور الفردي الذي يُشكل أساس علم الأخلاق " الكانطي " والمسيحي على السواء ، إذ أكد أن الدافع الحق إلى الأخلاق ليس خلاص الفرد ، بل تقدم الإنسانية ، وفي واقع الأمر وكما يقول المؤرخ بيري فإن التقدم أصبح مع فيختة مبدأ علم الأخلاق مما جعل المثل الأعلى المسيحي للورع الزهدي ليس ذي قيمة أخلاقية (6) .
    ومع تعميم مثل التقدم على الفروع الإنسانية الأخرى ، في التاريخ مع فيكو ، وفي علم الاجتماع مع فورييه وسان سيمون وكونت ، وفي البيولوجيا مع دارون ، وفي البيولوجيا التطورية مع هربرت سبنسر ، وفي الاقتصاد مع ماركس وانغلز ، وفي الفلسفة مع هيغل ، وغيرهم كثيرون ، مع هؤلاء جميعاً وصلت فكرة التقدم إلى نهايتها واستنفدت طاقتها ، بحيث أصبحت أشبه بالفكرة الاستعمارية من حيث تبريرها لغزو واستعمار الحضارات والشعوب الأخرى بغية ضمان تقدمها وإدخالها في سلك الحضارة البشرية وهكذا تحولت فكرة التقدم ذاتها إلى فكرة نابذة واستبدادية عبر إعادة إنتاجها في إطار الحداثة الغربية وتحديداً مع بداية القرن التاسع عشر ، ذلك أنها تحولت مع شقيقاتها كمفهومي العقل والذاتية وهي ما يعتبرها آلان تورين أسس الحداثة الغربية (7) ، لقد تحولت إلى أدواتٍ لممارسة نوع من المركزية الغربية برر لها استعمار كل من الهند والجزائر بحجة أن هذا الاستعمار يمكن أن يجلب لهما التقدم والحضارة عبر الاستعمارين البريطاني والفرنسي لكل من الهند والجزائر(Cool ،وهو المبدأ ذاته الذي وجد فيه هيغل نفسه ملجأً للتسامح اتجاه سقوط دولته أمام الجحافل الفرنسية تحت قيادة نابليون لأن اتجاه التاريخ يتجه صاعداً مع نابليون ذاته .
    مع وصول المركزية الغربية ذروتها في طرد ونبذ الآخر والمختلف سينشأ عدد من المفكرين والفلاسفة الغربيين الذين رغبوا في تحطيم أصول هذه النزعة المركزية ، وربما كان من أسبقهم نيتشة الذي أخذ منه فوكو الكثير وأسس لاتجاه ما بعد البينوية الذي كان رائداً وموجهاً لتيار الحداثة متمثلاً في جان بودريار وجان فرانسوا ليوتار وغيرهم .
    لقد اعتبر فوكو أن التاريخ لم يكن صقيلاً متسقاً كما تصوره هيغل(9) ، إنه لم يكن أليساً ومتسقاً تماماً ، ويسير على نظام واحد،بل قد شهد انعطافات وانتكاسات حادة وجذرية ، ففي الوقت الذي يتطور فيه العلم والطب بدأبٍ و جد يتطور السلاح الذري بشكل مخيف ومرعب كما استُخدم في هيروشيما وناغازاكي ، وإذا كانت مقولة حقوق الإنسان قد حققت اكتساحاً عالمياً مع تحولها لمفهومٍ دولي موجه ، فإن الإنسان ذاته أصبح عرضةً لمزيدٍ من الانتهاكات من خلال تطور الآلة والتقنية ذاتها التي استخدمت لتعذيبه جسدياً وإفقاره اقتصادياً عبر الاستغناء عن خدماته .
    إن مفهوم التقدم الإنساني أصبح محض خيال عصر الأنوار المتفائل ، والحداثة التي أنتجت هذا المفهوم لتبرير صيرورتها ومسارها أصبحت عقبةً أمام حرية الإنسان وفاعليته ، إذ الإنسان هنا لم يعد الإنسان الغربي وحده ، وإنما أصبح الإنسان بما هو إنسانٌ في ذاتيته وكينونته وليس بما هو نتاج عرقه أو لغته أو حضارته وثقافته . إن المشترك الإنساني هو أعم بكثير وأوسع وأرحب من اختزاله في صورة الإنسان الغربي الذي ساد مفهومه لعصورٍ طويلة كان مفهوم التقدم حاملاً قانونياً وشرعياً له .
    هكذا إذن و مع تفكك المركزية الغربية عبر عديد الضربات التي وجهت لها بدءاً من نيتشه وهيدغر و مروراً بفوكو و شترواس و انتهاء بدريدا و و هابرماز ستطوى الصفحة تماماً عن مفهوم التقدم التاريخي فلسفياً(10) ،و مع سقوط الاتحاد السوفيتي الذي حمل لواء أيديولوجية الحتمية التاريخية سيسقط مفهوم التقدم سياسياً أيضاً (11)و عندها سنقترب من عودةٍ أو ردةٍ لمفهوم الانحطاط و لكن بشكلٍ جديد عبر الكتابات المتكاثرة و المتزايدة التي تتحدث عن نهاية التاريخ مع فوكويا أو "نهاية العالم " كما تشهد ذلك مئات الكتب التي تبشر بالنبوءات التوراتية التي تستعجل القيامة بوصفها مخرج البشرية الأخير(12) .
    العالم الإسلامي بين رؤية الانحطاط و سؤال التقدم :
    ليس من السهل أبداً التأريخ للعالم الإسلامي وفق معيار تطوري وحيد، بمعنى أن الدين الإسلامي و منذ ظهوره لعب دوراً حاسماً و تاريخياً في تغيير صورة العرب الذين توجه الإسلام إليهم بداية بالدعوة ،فانطلق عندها الدين الإسلامي من أرض جزيرة العرب حتى امتد إلى أوروبة شمالاً و من إيران إلى المحيط الأطلسي ،و قد سيطر المسلمون سيطرة كاملة على البحر المتوسط حتى أن ابن خلدون قال" إن النصارى لم يكن في وسعهم أن يمخروا عباب هذا البحر و لو على ظهر خشبة"(13) لكن هذا التوسع الجغرافي تداخل مع تراجع فكري و فقهي و انسداد في أفق النظام السياسي الذي أصبح قائماً على الملكية أو الإمارة أو السلطنة ،و حتى على المستوى العلمي فإن الحضارة الإسلامية وصلت إلى طريقٍ مسدود برغم ظهور مبدعين نادرين كابن الهيثم في البصريات و الطوسي في علم الفلك و ابن خلدون في التاريخ و علم الاجتماع و غيرهم كثير إلا أن نتاجهم ذلك لم يجد من يحفظه و يبني عليه ، فالمعرفة العلمية تقوم في أساسها على التراكم، و مع افتقاد الحضارة الإسلامية لمثل هذه الميزة تحولت الأعلام الفكرية و العلمية إلى أشبه بالشموع التي تنطفأ عند نفاد مخزونها ،و هو ما حصل تماماً ،في حين تمكن الغرب من الاستنارة بهذه الشموع ليبني عليها تراكماً علمياً فذاً أنتج فيما بعد النهضة الصناعية الأوروبية التي فجّرت مولد الثورة العلمية والتي أصبح لها انعكاساتها على الإنسانية أجمع و في كافة المجالات و الفروع الإنسانية .
    مهما يكن فإن البحث في أسباب تدهور الحضارة الإسلامية يخرج عن هدف هذا البحث ،بقدر ما نحاول أن نرصد أو نتتبع للفترة التي عرفت في التاريخ الإسلامي بعصور الانحطاط . و إذا كان التاريخ الإسلامي يحتفظ بفترةٍ ذات أفضلية في تأريخه هي زمن النبي محمد عليه الصلاة و السلام و صحابته الكرام ،و لذلك فالتاريخ من بعدهم لا ينفك ينحدر باتجاه السيئ فالأسوأ و هو ما تقرره أحاديث نبوية عديدة، فإن آيات كريمة و خاصة قوله تعالى: ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) تربط مفهوم الخيرية بالأمة الإسلامية بالمطلق بغض النظر عن زمانها و توقيتها، و هو ما يدفعنا إلى نفي مفهوم الانحطاط بوصفه قدرا ً لاهوتًيا على العالم الإسلامي أن يمر به، و مثل هذا التفكير الشائع لدى الكثير من الأوساط المتدينة ينفي عن البشر فاعليتهم و حراكهم الاجتماعي و السياسي و قدرتهم على التغيير و البحث عن الأفضل، و يشيع عموماً رؤية تواكلية تقوم على أساس أنه" ليس بالإمكان أفضل مما كان " أو قائمة على مبدأ أن "السلف لم يترك للخلف شيئاً "و هو ما يجعلنا مكررين و مقلدين لمقولات السالفين التي علينا تردادها و استنساخها، ففيها خلاصنا الفردي على اعتبار أن الهم الإنساني غالبا ما يكون مغيباً تماماً في مثل هذه الرؤية اللاتاريخية.
    يعيد المؤرخ الشهير حسين مؤنس على سبيل المثال لا الحصر تدهور الحضارة العربية الإسلامية إلى القرن الرابع الهجري – العاشر الميلادي ، و يعزو ذلك إلى سوء النظام الإداري و المالي، وإلى جمود النظام السياسي المخرب الذي سارت عليه الحكومات الإسلامية منذ حكم البويهيين في منتصف القرن الرابع الهجري(14) بيد أنه يعقب قائلاً" إن التدهور في عالم الإسلام هو تدهور نظم الحكم و تدهور أخلاقيات أهله في العصور الماضية ،أما تدهور كتلة الشعب فهو شيء لم تعرفه الحضارة الإسلامية قط، و ظلت الأمة الإسلامية في مجموعها أمة فاضلة "(15).
    و هكذا فالانحطاط وفقاً لمؤنس ظاهريٌ فقط و عارض ، بينما بقي جوهر الحضارة الإسلامية سليماً و معافى عن أن تمسَّه ظواهر الانحطاط أو أعراضه. إن إحساس التنزه هذا مع الكثير من المفكرين الإسلاميين يمنعنا عن التفكير في سؤال الانحطاط أو التخلف الذي أعاق الحضارة الإسلامية عن اكتشاف الثورة العلمية الحديثة بعد أن كانت مرشحة بامتياز لتحقيقها بحكم التقدم العلمي و الفكري المذهل الذي حققته في القرن الثامن الميلادي لكنها أخفقت بينما تمكنت الحضارة الغربية من تحقيق القفزة باتجاه الثورة العلمية مع أن الغرب في تلك الفترة كان في أشد عصوره انحطاطاً و ظلاماً.
    مهما يكن فإن اتجاهاً عاماً ساد لدى المفكرين المسلمين يغلب إلى القول بأن "البشر ساروا على الطريق المستقيم زمن الرسول صلى الله عليه و سلم و الفضل في ذلك يرجع إلى هدي النبوة ثم القرب من عصرها، لكن و بعد هذا العهد أخذ أمر الناس يفسد و أخذوا يبتعدون عن الطريق السوي، و هكذا يأخذ التاريخ في نظر أولئك المفكرين اتجاهاً منحدراً و ينظر كل واحد منهم إلى العصور التي سبقته على أنها بالضرورة أحسن من عصره، و يعتبرون أن هذا الاتجاه سيستمر حتى تعم الفوضى و يعود الإسلام غريباً كما ولد غريباً و يضطرب الأمر كله في النهاية حتى يستنقذ الله الناس بعودة عيسى بن مريم عليه السلام و يقتل الدجال، أي يقضي على الفوضى و الظلم، و يملأ الدنيا عدلاً بعد أن ملئت جوراً ، و يكون ذلك من إشارات الساعة أي مقدمات نهاية الدنيا "(16)مثل هذا التفكير وجدناه شائعاً لدى الفكر الأوربي في العصر الوسيط قبل ظهور فكر الأنوار، ويعود في أصوله إلى تفكير إغريقي قديم ينظر إلى الزمن على أنه عدوٌ للإنسان ثم انتقلت هذه النزعة التشاؤمية إلى التفكير المسيحي الذي يتلبسه مفهوم التضحية مما فرض عليه نوعاً من الرؤية المأساوية و السوداوية تماماً للزمن، الذي يصبح مرذولاً و مطروداً مع تقدمه ، و إن تشرب مثل هذا النوع من التفكير في الرؤية الإسلامية أعاقها عن النظر بعين استقلالية إلى الزمن، الأمر الذي كان من شأنه أن يوسع أفق التفكير الميتافيزيقي للمفكرين المسلمين في القرون اللاحقة، و يمنحهم حريةً من التفكير و الحركة تمثل ضرورة لأي عملية إبداع حقيقي في أية حضارةٍ من الحضارات .
    دور الإسلام في العلم الحديث وأسباب إخفاق نهضته الحديثة :
    يتساءل توبي هاف قائلاً "لماذا أخفق العلم العربي في أن ينجب العلم الحديث ؟و لماذا انهار و تراجع الفكر العلمي و العمل في الحضارة العربية الإسلامية بعد القرن الثالث عشر ؟مع أن العلم العربي كان منذ القرن الثامن حتى نهاية القرن الرابع عشر أكثر العلوم تقدماً في العالم، و قد تجاوز بكثير ما كان في الغرب و في الصين ،و في كل ميدان للبحث في الفلك و الكيمياء و الرياضيات و الطب و البصريات "(17)ثم يضيف "إذا كان العلم العربي كان له التفوق التقني و العلمي على مدى أكثر من خمسة قرون فلماذا لم ينجب العلم الحديث؟"(18) .
    إن هاف يعتبر أن العلوم التي أطلق عليها الغربيون تسمية العلوم الطبيعية كان المسلمون يسمونها (علوم الأوائل ) و ذلك في مقابل أو موازاة العلوم الإسلامية المتعلقة بدراسة القرآن و الحديث و الفقه و الكلام و الشعر و اللغة العربية، و بدافع من حب الاستطلاع و لدوافع دينية بلغ العلم العربي و الإسلامي من القرن الثامن إلى القرن الرابع عشر أعلى مستوى له من التقدم العلمي و لم يكن ذلك بغاية خدمة العلوم الطبيعية ( علوم الأوائل ) بذاتها بقدر ما كان عائداً إلى الحاجة إلى تطوير العلوم الإسلامية نفسها ،فمن أجل تقسيم المواريث اعتُبر الحساب موضوعاً مهماً للدراسة و من أجل تأدية الشعائر كانت الحاجة لتحديد المواقيت و من ثم إلى استخدام الهندسة و إلى ابتكار حساب المثلثات و ذلك بغية اكتساب عمليات حسابية تحدد الاتجاه إلى مكة حيث هي تمثل قبلة المصلين .
    و إذا أخذنا بتتبع الأسباب التفصيلية التي تدرس أسباب إخفاق العالم العربي في أن ينجب العلم الحديث رغم أنه كان المرشح المؤهل لذلك و هذه الأسباب هي كما ذكرها هاف ،التي تعد دراسته الأولى من نوعها لجهة إنصافها لدور الحضارة العربية الإسلامية أولاً، و التمحيص في الأسباب العقائدية و السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية التي أدت إلى تدهور الحضارة الإسلامية ثانياً، و ثالثاً و أخيراً دراستها المقارنة و المثيرة بين الحضارة الإسلامية و الحضارتين الغربية و الصينية، و هي المقارنة التي من شأنها أن تثير الكثير من التساؤلات و تضيء بنفس الوقت العديد من الجوانب التي غالباً ما يغفل عنها الباحثون المسلمون بحكم أنهم ينظرون إلى حضارتهم برؤية ذاتية تحمل الكثير من التجميل و أحياناً بعض الادعاء و المبالغة . يعيد هاف هذه العوامل إلى أسباب عرقية و سيطرة السنية الأرثوذكسية الدينية و الطغيان السياسي إضافة إلى وسائل متصلة بالبواعث النفسية و العوامل الاقتصادية فضلاً عن إخفاق فلاسفة الطبيعة العرب في أن يطوروا و يستخدموا المنهج التجريبي (19).
    هذه العوامل الأساسية انبثقت عنها عوامل فرعية هي ناتجة عنها بالضرورة،فالطغيان السياسي و سيطرة السنية الدينية أفرز تعصباً دينياً و بخاصة تجاه العلوم الطبيعية، مما أدى إلى نشوء ما يسمى بالعلوم السريّة بدلاً من دراسة العلوم اليونانية و العقلية بشكلٍ حر و منفتح تماماً،و هو ما نلحظه عند ملاحظة مدى صعود علوم التصوف و الحركات السرية في القرنيين الثاني و الثالث عشر، بحيث سيطرت عقلية أشبه بالسرية على عقول الكثير من المثقفين و العلماء العرب المسلمين سواء اعتقاداً إيمانياً بالخلاص عبر التصوف، أو ممارسةً للتقية و خوفاً من الحاكم الجائر الذي انحاز لمذهب معين سعى لفرضه بالسيف و البطش .
    و لندخل في أمثلةٍ تفصيلية أكثر دقة لنحاول الإجابة عن سؤال إخفاق العلم العربي بشكلٍ أكثر جلاءً و تعمقاً، فمؤرخوا علم الفلك الغربي على سبيل المثال من أمثال كيندي و جولد شتين و عبد الحميد صبره و غيرهم يتساءلون جميعهم بحيرة بعد اطلاعهم على التقدم الذي أحرزه علم الفلك العربي في القرون الثاني عشر و الثالث عشر و الرابع عشر مقارنة مع نماذج العلم الحديث التي انبثقت من تجديدات جهود العلماء المحدثين من مثل كوبر نيكوس و جاليلو و كبلر، فلماذا لم يستطع ابن الشاطر مثلاً أو خلفاؤه و هم كثيرون أن يقوموا بالوثبة الكبيرة نحو نظام مركزية الشمس، و هي الوثبة التي فتحت الباب الميتافيزيقي للثورة العلمية الأوروبية في القرنيين السادس عشر و السابع عشر و بدلاً من ذلك جمد العلم العربي و بدأ في التدهور .
    إن ذلك يدعو للحيرة بشكل كبير فلماذا لم يتابع العرب السير إلى الخطوة الأخيرة حتى الثورة العلمية الحديثة التي كانوا أقرب إليها مما كنا نتصور ،إذ أنها لم تكن تتطلب أكثر من نماذج رياضية، فنماذج الأجرام لابن الشاطر و كذلك تلك لدى كوبرنيكوس متماثلة تماماً مع اختلافات ضئيلة في بعض مقاييسها ،بيد أن الانتقال الميتافيزيقي كان من شأنه أن يحدث انشقاقاً فكرياً مع النظرة الإسلامية التقليدية إلى الكون كما كان يفهمه العلماء المسلمون، أما التحول الكوبرنيكي فإنه قد خلع ثلاث حركات إلى الأرض جاعلاً الشمس في المركز و قد أحدثت هذه النقلة الفكرية قدراً كبيراً من الصدام مع الدوائر الدينية و الفكرية في الغرب لكنها حققت تحولاً جذرياً في رؤيتنا إلى العالم ميتافيزيقياً وفكرياً و علمياً. لكن العلماء العرب توقفوا تماماً عند حافة واحدةٍ من أكبر الثورات العلمية في التاريخ ثم انحدروا باتجاه العودة إلى الدراسات الكلاسيكية في الفلك التي تدور حول التقاويم القمرية.
    إن المعرفة العلمية الحديثة هي معرفة كونية و إنسانية بلا شك، فهي ليست موروثة لمجتمع قومي أو جماعة عرقية أو أمة معينة إنها معرفة ذات سمة عالمية و تستطيع الحضارات جميعها أن تسهم في اكتشافها و ابتكارها حسب جهودها العلمية و العوامل الأخرى المحيطة التي من شأنها أن تساعد في إظهار هذه المعرفة و إبرازها فكما قال هاف بحق فإن الاكتشاف الرياضي اتخذ سمة العالمية بغض النظر عن الجذور الثقافية للمكتشف و هذا الاكتشاف خلق قنوات اتصال و أهَّب لولادة ابتكارات أضاءت جميعها الطريق لكل الشعوب(20) .
    فالعلم العربي أسهم بقدرٍ كبير في المعرفة العلمية و المنهجية و الرياضية إلى ما يمكن تسميته العلم العالمي الحديث فإذا عدنا الآن لمناقشة الأسباب التي حللها هاف و رأى أنها مثلت تعليلاً لإخفاق العلم العربي عن الدخول في الحداثة، فإننا نجده يعتبر أن عدم حيازة العلم كمؤسسة على استقلاله في الحضارة العربية الإسلامية كان أول العوائق ،ذلك أنه تم تمثيل العلوم اليونانية وفقاً لمقتضيات الثقافة الإسلامية ،حيث افترض العلماء المسلمون أن الحقيقية العلمية يجب أن تكون في نسقٍ متسق و منسجم و متناغم مع الدين، و أن يكون له أيضاً دوره ووضعه الجوهري في هذا النسق (21)، فالمعرفة العلمية لم تحظ باستقلال عن المعرفة الدينية، بل إن الأولى كانت مضطرة إلى أن" تتأسلم" حتى تكون قادرة على الذيوع و الانتشار، لقد كانت بحاجة إلى شرعية دينية دائمة تبرز جدواها أو التفرغ لها،خاصة بعد أن احتكرت العلوم الفقهية و العقائدية و علوم الحديث و الأصول الاهتمام الأكبر للمشتغلين بالبحث و التفكير بوصفها أفضل العلوم .
    و كما أن الاستقلال العلمي كمؤسسة لها اعتبارها كان متعذراً في الحضارة العربية الإسلامية بالرغم من الاهتمام به و الحثِّ عليه إلا أن ذلك لم يكن يقع سوى تحت عبء جهود فردية و إبداعات شخصية أغراها حب الاطلاع أكثر من رغبتها في تأسيس معرفة علمية لها قواعدها و أسسها العلمية التراكمية .
    و الأمر نفسه أيضاً ينطبق على مفهوم القانون كونه يحتاج إلى مؤسساتٍ قضائية ذات استقلالية تامة حتى يستطيع أن يمارس دوره و فاعليته و يكون له دورٌ في تعزيز المفهوم القانوني لدى المجتمع، فعلى الرغم من وجود مآثر و مفاخر قضائية تتعلق بعددٍ من القضاة النزيهين الذين كان لهم قرارهم المبدئي بالرغم من موقف الحاكم أو الخليفة،إلا أن ذلك للأسف لم يتطور إلى مؤسسة لها استقلاليتها التامة عن السلطة التنفيذية، إذ بقي تعيين القضاة محصوراً من قبل الخلفاء أو السلاطين،و لذلك غالباً ما شعر الحكام السياسيون بأنهم قادرون على أن يقرروا لأنفسهم ما ينبغي عليه القانون في أنظمتهم على حد تعبير هاف، و لذلك لم تطور الشريعة الإسلامية الإجراءات أو النصوص اللازمة التي بمقتضاها يمكن للأمير أو من يمثل السلطة التنفيذية أن يُحاسب على أفعال خارجة عن القانون قد ارتكبها، ففي التاريخ الإسلامي كان الجهاز القضائي يتكون من علماء يمارسون وظائفهم بموجب تفويض من السلطة التنفيذية و من ثم فإنهم يعتمدون عليها(22) و حسب هارولد بريمان فإن فصل القضاء الكنسي عن القضاء العلماني للأباطرة و الملوك كان شرطاً ضرورياً لتطوير الفكرة الأوروبية الحديثة عن الاستقلال و هذا ما مكن العلم من التطور كمهمة لها استقلالها، و لكن لما كان الإسلام لم يعرف الكيانات و الجماعات التعاونية فإن ذلك حال دون تطور الأدوار لجماعات مستقلة مهنية توفر لها الامتيازات القانونية و تقيم معايير جامعية متعلقة بالعلم كالموضوعية و الإنصاف و عدم التحيز دون اعتبارات سياسية أو دينية أو شخصية (23)،و هو ما تطور في العالم الغربي إلى نقابات و مؤسسات مهنية مستقلة في حين لم تأخذ مثل هذه المهن شخصيتها القانونية المستقلة .
    و يضيف هاف أمراً آخر يتعلق بالتعليم في الحضارة العربية الإسلامية أو ما يسميه سلوكيات الحياة الثقافية في الإسلام من حيث طبيعة العلاقة بين المعلمين و التلاميذ، ذلك أن الفلاسفة المسلمين كالفارابي و ابن سينا و ابن رشد و ابن طفيل جميعهم كانوا يرون أن العامة غير قادرة على استيعاب الحقائق العليا للفلسفة و هو ما تحدث عنه الغزالي في أحد كتبه ( لجم العوام عن التحدث في علم الكلام ) إذ تحدث عن ما يسميه ( المعنى الباطن للشريعة ) و هو ما يتناقض تماماً مع ضرورة تعميم المفهوم العلمي و يحرّم المناقشة العلمية و لا يساعد على بث الروح العلمية في المجتمع فضلاً عن قيم العالمية و الشمولية(24)، فإنجاز الثورة العلمية يقتضي حتماً تحطيم العلاقات و الصلات الترابطية بين أفراد المجتمع العلمي طالما أنهم يسعون جميعاً إلى اكتشاف الحقيقة و يدأبون في البحث عنها .
    يبقى في النهاية ما يُسمى التصور العام للعلوم في الإسلام من حيث كونها علوماً إلهية و لذلك فمثل هذا التصور يرفض العلوم العقلية كما يسميها إذا لم تكن متكيفة أو متوافقة مع العلوم النقلية مما يجعل روح الإبداع في الفلسفة أو غيرها من العلوم محدوداً خوف التمرد أو الخروج عن التصور الديني لنظام العالم الطبيعي كما كان سائداً في تلك الفترة و تتحول العلوم عندها إلى محاولة توفيقية بين علوم العقل و النقل، خوف الوقوع في إحراج فقهي أو لاهوتي من شأنه أن يجر على صاحبه الكثير من المشاكل و الصعوبات و لذلك بقيت حرية التفكير محدودة نوعاً ما في تصور عام وضعه علماء الدين أو اللاهوت ، وبغياب مؤسسات قانونية ومهنية تدعم التصورات المنشقة أو المخالفة لن يكون لمثل هذه الآراء أو الأفكار حظ أو نصيب من الولادة فما بالك بانتشارها وذيوعها وهو مبدأ أساس في عملية تراكم المعرفة من أجل إنتاج العلم .
    ثم جاء باب إغلاق باب الاجتهاد ليضع حداً نهائياً أمام استحداث مبادئ قانونية أو تصورات جديدة يمكن أن تضاف إلى الشريعة الإسلامية ، وإذا كان إغلاق باب الاجتهاد لا يعدو سوى أن يكون فتوى من قبيل الفتاوى المتعددة التي صدرت في عصور الانحطاط إلا أن أثره القانوني والعلمي كان كارثياً لجهة الإدعاء الشائع بافتراض الكمال والثبات في الشريعة وما على الأجيال اللاحقة إلا التقليد لما كان قد أنجز وصك سابقاً .لقد جمدت المدونة الفقهية والقانونية وتكلست مجموعة التصورات والأحكام ، وهو ما نلحظه واضحاً لدى تتبع الأحكام السياسية والدستورية مثلاً مقارنة مع ضخامة التشريعات وأحكام المعاملات، إننا نجد ضموراً في الفقه السياسي وتضخماً مفرطاً في فقه العبادات .
    وأمام هذه المداخل التفسيرية المتعددة التي قدمها هاف والتي هي بلا شك تحمل الكثير من الصحة والصدقية يمكننا أن نفهم معنى الانحطاط الذي طرأ على الحضارة العربية الإسلامية في قرونها المتأخرة ، إنها تمثل إجابة معرفية عن إخفاق العلم العربي عن ابتكار حداثته ،لكنها بنفس الوقت تحمل إجابة شاملة عن تخلف أوجه النشاط في الحضارة العربية الإسلامية في المجالات المختلفة، ذلك أن الطاقة المحركة العلمية قد فقدت فاعليتها ولذلك امتنعت السياسة والاقتصاد والثقافة عن الإبداع الخلاق ورضيت بذاتها التي اهتلكها الزمن رويداً رويداً في حين كانت هذه الطاقة تشتغل بأقصى سرعتها في مكان آخر من العالم، مما جعل الآخر الأوروبي يعيد تجديد ذاته في السياسة والاقتصاد والاجتماع وأصبح مفهوم الانحطاط لديه ماضياً في حين أصبح حاضراً وواقعاً لدينا، فهل التجربة التاريخية ستُتيح لنا الاستفادة من أخطاءنا وخبرات غيرنا أم أننا سنبقى ندور مجدداً في فلك الترداد والاستنساخ .
    الهوامش
    (1) ج . ب . بيري، فكرة التقدم : بحث في نشأتها وتطورها ، ترجمة عارف حديفة ( دمشق : وزارة الثقافة ، 1988 ) ص 72 .
    (2) المرجع نفسه، ص 85
    (3) لقد ضاق المفكرون الأوربيون سيّما الفرنسيون منهم لأنهم عبّروا عن حساسية خاصة تجاه القديم والمحدث، لقد ضاقوا ذرعاً بالمزاعم التي تنسب إلى الإغريق و اليونان تفوقاً لا يُنال . فقال موليير مقولته الشهيرة ( القدماء هم القدماء، ونحن أهل هذا العصر )، وهي مقولة تذكرنا بمقولةٍ لعلي بن أبي طالب ( هم رجالٌ ونحن رجال).
    (4) ج . ب . بيري ، فكرة التقدم : بحث في نشأتها وتطورها، [ م ، س ]، ص 120 .
    (5) المرجع نفسه، ص 132 .
    (6) المرجع نفسه ص 233 .
    (7) انظر: آلان تورين، نقد الحداثة ، ترجمة صياح الجهيم ( دمشق : وزارة الثقافة، 1998 ) ج2 .
    (Cool انظر :مايكل هاردتو أنطونيو نيغري، الإمبراطورية:إمبراطورية العولمة الجديدة،تعريب :فاضل جتكر( الرياض : مكتبة العبيكان،ط1 ،2002 ).
    (9) انظر :ميشيل فوكو،الكلمات والأشياء،ترجمة مركز الإنماء القومي(بيروت:مركز الإنماء القومي،1989 ).
    (10) للمزيد حول ذلك . انظر د. عبد الله إبراهيم، المركزية الغربية : إشكالية التكون والتمركز حول الذات ( بيروت : المركز الثقافي العربي، ط1، 1997 )، وأيضاً : بتر غران ، ما بعد المركزية الأوروبية، إشراف ومراجعة رؤوف عباس ( القاهرة : المجلس الأعلى للثقافة، 1998 ) .
    (11) يُعتبر فيلسوف العلم كارل بوبر من أشد ناقدي مفهوم التقدم في النظرية الماركسية، انظر : كارل بوبر عقم المذهب التاريخي ، ترجمة عبد الحميد صبره ( الاسكندرية:منشأة المعارف،1959 ) وأيضاً انظر حواراً ثرياً مع بوبر حول هذا المفهوم في : كارل بوبر،خلاصة القرن،ترجمة الزواوي بغورة ولخضر مذبوح(القاهرة :المجلس الأعلى للثقافة،2002 ).
    (12) مع سيطرة المحافظين الجدد والإنجيليين الجدد على معظم مراكز صنع القرار في إدارة جورج بوش الابن في الولايات المتحدة والتي شنت حرباً غير شرعية على العراق بالمعايير الدولية سادت نظريات قيامية لدى الطائفة المعمدانية الإنجيلية التي هي الأكبر عدداً في الولايات المتحدة إذ يبلغ تعدادها 16 مليون تقريباً، وأصبحت تصدر كتباً وقصصاً وروايات هي الأكثر مبيعاً في الولايات المتحدة ومعظمها يدور حول قرب نهاية العالم واقتراب موعد القيامة ونهاية الأزمنة التي يجب أن تختم بمعركة هرمجدون ، انظر روايات جيري جنكنز والقس المتقاعد تم لاهاي التي بلغ عددها إحدى عشر رواية وباعت في الولايات المتحدة وحدها خمسون مليون نسخة وجميعها تبني حبكتها حول "علامات الساعة " التي تؤذن بالواقعة الأخروية التي تستعد لخوضها قوى الخير ضد جحافل الشر . والمسيح ضد المسيح الدجال ، إنها كارثة بدأ العد العكسي لحدوثها ، وسوف تسفر عن مليارات القتلى ولن ينجو منها سوى حفنة من " المختارين " المكلفين بتمهيد الطريق لعودة " المسيح" المخلّص .

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة أبريل 26, 2024 6:51 pm